کد مطلب:167954 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:136

المعرکة الاخیرة حرب الشوارع
كان سیّدنا مسلم بن عقیل علیه السلام قد أبی أن یأكل شیئاً فی لیلته الاخیرة، وحرص علی أن یُحییها بالعبادة والذكر والتلاوة فلم یزل قائماً وراكعاً وساجداً یصلّی ویدعو ربّه إلی أن انفجر عمود الصبح، لكنّه لشدّة الاعیاء من أثر القتال فی النهار كان قد أخذته سِنُةٌ من النوم، فرأی فی عالم الرؤیا عمّه أمیرالمؤمنین علیّاًعلیه السلام، وبشّره بسرعة التحاقه بمن مضی منهم (ع) فی أعلی علیین.

ففی كتاب نفس المهموم عن كتاب المنتخب للطریحی أنه: (لمّا أن طلع الفجر جاءت طوعة إلی مسلم بماءٍ لیتوضّاء.

قالت: یا مولای، ما رأیتك رقدت فی هذه اللیلة!؟

فقال لها: إعلمی أنّی رقدت رقدة فرأیت فی منامی عمّی أمیرالمؤمنین علیه السلام وهو یقول: الوحاء الوحاء، العجل العجل! وما أظنّ إلاّ أنه آخر أیّامی من الدنیا!). [1] .

یقول الطبری: (فلمّا سمع وقع حوافر الخیل وأصوات الرجال عرف أنّه قد أُتی، فخرج إلیهم بسیفه، واقتحموا علیه الدار، فشدَّ علیهم یضربهم بسیفه حتی أخرجهم من الدار! ثم عادوا إلیه فشدّ علیهم كذلك، فاختلف هو وبُكیر بن حمران الاحمری ضربتین، فضرب بُكیر فمَ مسلم فقطع شفته العُلیا واشرع السیف فی السفلی ونصلت له ثنّیتاه، فضربه مسلم ضربة فی رأسه مُنكرة وثنّی بأخری علی حبل العاتق كادت تطلع علی جوفه!، فلمّا رأوا ذلك أشرفوا علیه من فوق ظهر البیت، فأخذوا یرمونه بالحجارة ویُلهبون النار فی أطناب القصب ثم یقلبونها علیه من فوق البیت!، فلمّا رأی ذلك خرج علیهم مُصلتاً بسیفه فی السكّة فقاتلهم!


فأقبل علیه محمّد بن الاشعث فقال: یا فتی! لك الامان، لاتقتل نفسك! [2] فأقبل یقاتلهم وهو یقول:



أقسمتُ لاأُقتلُ إلاّ حُرّا

وإنْ رأیتُ الموتَ شیئاً نُكرا



كُلُّ امریء یوماً مُلاقٍ شرّا

ویُخلط البارد سُخناً مُرّا



رُدَّ شعاع الشمس فاستقّرا

أخافُ أنْ أُكذَبَ أو أُغَرّا [3] .



فقال له محمّد بن الاشعث: إنّك لاتُكذَب ولاتُخدَع ولاتُغرّ! إنّ القوم بنو عمّك، ولیسوا بقاتلیك ولاضاربیك!

وقد أُثخن بالحجارة وعجز عن القتال، وانبهر فأسند ظهره إلی جنب تلك الدار، فدنا محمّد بن الاشعث فقال: لك الامان!

فقال: آمنٌ أنا؟

قال: نعم! وقال القوم: أنت آمن!

غیر عمرو بن عبیداللّه بن العبّاس السلمی فإنه قال: لاناقة لی فی هذا ولاجمل وتنحّی.


وقال ابن عقیل: أما لو لم تؤمنونی ما وضعتُ یدی فی أ یدیكم! وأُتی ببغلة فحُمل علیها، واجتمعوا حوله وانتزعوا سیفه من عنقه! فكأنّه عند ذلك آیس من نفسه، فدمعت عیناه، ثم قال: هذا أوّل الغدر!

قال محمّد بن الاشعث: أرجو ألاّ یكون علیك بأس!

قال: ما هو إلاّ الرجاء!؟ أین أمانكم!؟ إنّا للّه وإنّا إلیه راجعون! وبكی، فقال له عمرو بن عبیداللّه بن عبّاس: إنّ من یطلب مثل الذی تطلب إذا نزل به مثل الذی نزل بك لم یبك!

قال: إنی واللّه ما لنفسی أبكی، ولالها من القتل أرثی، وإن كنت لم أحبّ لها طرفة عین تلفاً، ولكن أبكی لاهلی المُقبلین إلیَّ! أبكی لحسین وآل حسین!

ثُمَّ أقبل علی محمّد بن الاشعث فقال: یا عبداللّه، إنّی أراك واللّه ستعجز عن أمانی! فهل عندك خیر؟ تستطیع أن تبعث من عندك رجلاً علی لسانی یُبلغ حسیناً، فإنّی لااراه إلاّ قد خرج إلیكم الیوم مقبلاً أو هو خرج غداً، هو وأهل بیته، وإنَّ ما تری من جزعی لذلك! فیقول إنّ ابن عقیل بعثنی إلیك، وهو فی أیدی القوم أسیر! لایری أن تمشی حتّی تُقتل! وهو یقول إرجع بأهل بیتك ولایغرّك أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبیك الذی كان یتمنّی فراقهم بالموت أو القتل! إنّ أهل الكوفة قد كذبوك وكذبونی، ولیس لمكذوب رأی.

فقال ابن الاشعث: واللّه لافعلنَّ، ولاُعلمنّ ابن زیاد أنّی قد آمنتك! [4] .


... وأقبل محمّد بن الاشعث بابن عقیل إلی باب القصر فاستأذن فأُذِن له، فأخبر عبیداللّه خبر ابن عقیل وضرب بُكیر إیاه، فقال: بُعداً له! فأخبره محمّد بن الاشعث بما كان منه وما كان من أمانه إیّاه، فقال عبیداللّه: ما أنت والامان!؟ كأنّا أرسلناك تؤمنه!؟ إنّما أرسلناك تأتینا به. فسكت!

وانتهی ابن عقیل إلی باب القصر وهو عطشان، وعلی باب القصر ناسٌ جلوس یتنظرون الاذن، منهم عمارة بن عقبة بن أبی معیط، وعمرو بن حُریث، ومسلم بن عمرو، وكثیر بن شهاب.. فإذا قُلّة باردة موضوعة علی الباب.

فقال ابن عقیل: أسقونی من هذا الماء.

فقال له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها! لاواللّه لاتذوق منها قطرة أبداً حتّی تذوق الحمیم فی نار جهنم!

قال له ابن عقیل: ویحك! من أنت؟

قال: أنا ابن من عرف الحقَّ إذ أنكرتَه! ونصح لامامه إذ غششته! وسمع وأطاع إذ عصیته وخالفت! أنا مسلم بن عمرو الباهلی.

فقال ابن عقیل: لامّك الثُكل، ما أجفاك وما أفظّك وأقسی قلبك وأغلظك!؟ أنت یا ابن باهلة أولی بالجحیم والخلود فی نار جهنّم منی. ثم جلس متسانداً إلی حائط...

وروی الطبری أیضاً: أنّ عمرو بن حُریث بعث غلاماً له یُدعی سلیمان فجاءَه بماءٍ فی قُلّة فسقاه...


وروی أیضاً: أن عُمارة بن عقبة بعث غُلاماً له یُدعی قیساً فجاءه بقُلَّة علیها مندیل، ومعه قدح، فصبّ فیه ماءً ثمّ سقاه، فأخذ كُلّما شرب امتلاالقدح دماً! فلمّا ملاالقدح المرّة الثالثة ذهب لیشرب فسقطت ثنیّتاه فیه! فقال: الحمد للّه، لو كان من الرزق المقسوم شربته!). [5] .


[1] نفس المهموم: 99؛ عن المنتخب للطريحي: 462، المجلس التاسع من الجزء الثاني.

[2] كان صاحب اقتراح الامان هو ابن زياد نفسه كما سوف يأتي فقد كان يعلم أنّ جنده لايقدرون علي مسلم عليه السلام إلاّ بأمان! ولذا كان ابن زياد قد أوصي ابن الاشعث قائلاً: (أعطه الامان، فإنّك لن تقدر عليه إلاّ بالامان!) (الفتوح، 5:94).

[3] في هذه الابيات الثلاثة وهي من بحر الرجز من البلاغة العالية والصدق والحرارة ما يجعل النفوس إلي اليوم تتأثر تأثراً شديداً بها! فهوعليه السلام يقول: إنّه قد صمّم علي الاحتفاظ بحريّته ولو أدّي هذا إلي قتله والموت لاتشتهيه النفوس عامة وتنفر منه والانسان كما يري ما يسرّه يلاقي أيضاً ما يسوءه، هكذا تتقلب الدنيا بأحوالها وأهلها، فالبارد الحلو لابُدّ ان يُخلط بساخن مُرٍّ، وشعاع الشمس الدافق بالحياة والنشاط لابدّ أن يرتدّ في النهاية ويستقرّ إذا حجب الشمس حجابٌ! وكذا الانسان لابدّ بعد موت أو قتل أن يهداء ويستقرّ بعد حيوية وتدفّق ونشاط.

[4] وروي الطبري قائلاً: (دعا محمّد بن الاشعث إياس بن العثل الطائي من بني مالك بن عمرو بن ثمامة، وكان شاعراً وكان لمحمّد زوّاراً، فقال له: إلقَ حسيناً فأبلغه هذا الكتاب. وكتب فيه الذي أمره ابن عقيل، وقال له: هذا زادك وجهازك ومتعة لعيالك. فقال: من أين لي براحلة فإنّ راحلتي قد أنفضيتها؟ قال: هذه راحلة فاركبها برحلها. ثمّ خرج فاستقبله بزبُالة لاربع ليالٍ، فأخبره الخبر وبلّغه الرسالة، فقال له حسين: كلُّ ما حُمَّ نازل، وعند اللّه نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا!)، (تاريخ الطبري، 3:290).

[5] تأريخ الطبري، 3 :289-290؛ وانظر: الارشاد: 197؛ وانظر: مقاتل الطالبيين: 69-70.